اجتمعت حيوانات الغابة ضمن ساحة كبيرة وتصدر الجلسة أسد ضخم واخذ يزمجر قائلا :
أنا ملك الغابة طلباتي أوامر على رؤوس الجميع حينما أحضر تنحني الرؤوس ويعم الصمت ويختفي الهمس واللمز فصرخ الجميع بصوت واحد : يحيا الملك .. يحيا الملك
وفجأة ظهرت من بين الجموع نملة صغيرة وقد اعتلى رأسها تاج صغير وقالت بصوت واضح :
_ على رسلك أيها الملك ، ألا توجد طريقة أخرى تتحدث بها إلى شعبك إلا بالزجر والصراخ .
فصرخ الأسد غاضبا ومندهشا في آن واحد :
- ويحك أيتها الحشرة التافهة الحمقاء ، كيف تجرئين على مخاطبتي بهذا الأسلوب الو قح وأنا الملك ؟
فأجابت النملة ببرود وهي تتقدم لتقف أمامه وجها لوجه :
وأنا أيضا الملكة ولي في مملكتي مكانة وسلطة قد تفوق مكانتك وسلطتك هنا .
- أنت مجرد حشرة تافهة قد أدهسها بأحد أظافري دون أن أنظر .
- هزت النملة رأسها معترفة بصحة ما يقوله وأجابته :
- أجل أيها الملك كما هو بإمكان أي واحد من الحضور هنا أن يفعل طالما يتبع قانون مملكتكم السلطة للأقوى كما هو متعارف عن قانون الغابة ، فأنا برأيكم أضعف المخلوقات أما فيما لو نظرتم إلي من جوانب أخرى فأنا أرشح نفسي لأكون الأقوى ولأفضل في العديد من الجوانب
مد الأسد يده ليرفعها على كفه ويضعها على مقربة من وجهه وقال ساخرا :
- أنت ؟
- وصمت الجميع كأن على رؤوسهم الطير ينتظرون ما قد يؤول إليه مصير هذه المخلوقة الصغيرة وهم مندهشون من جرأتها.
فأجابت النملة بشجاعة وتصميم :
-أجل أيها الملك أنا ، وأنا أتحداك هنا أمام الجميع فبإمكاني القيام بأشياء كثيرة تعجز أنت عن القيام بها .
- إذا أعطني مثالاً واحداً
- ليس قبل أن تعطيني الأمان وتجعل بيننا حكماً يحكم بالعدل ليكون انتصاري مثبتاً بشكل قانوني .
- قهقه الأسد ضاحكاً باستخفاف وقال :
إذا لك الأمان أيتها الحشرة ولك أيضا صلاحية اختيار أي كان من الحضور ليكون حكماً فيما بيننا
اعترضت النملة قائلة : حينما أحدثك أيها الملك فأنا لا أهمل صفة الملوكية عندك وعليه فانا أطالبك بنفس الشيء في المقابل ، أما بالنسبة لاختيار الحكم فأنا أفضل أن يكون حكما لا يمت للحيوانات أو الحشرات بصلة حتى نمنع التحيز إلى أحد الطرفين ،
وعليه فما رأيك أن نختار حكما بشريا يحكم بيننا بالعدل دون مواربة أو تحيز ؟
– ومن أين سنأتي بهذا الحكم ؟
– سنرسل بالطلب لشيخ القرية وكاهنها .
وتفرق الجميع بعد أن اتفقا على موعد يلتقيان به . وفي اليوم المحدد اجتمع الجميع وانقسم سكان الغابة إلى فريقين : فريق الحشرات على اليمين والحيوانات على الشمال وعلت الهمهمة وعمت الفوضى فطرق الشيخ بمطرقته قائلا :
– هدوء ... فتحت الجلسة . ثم أردف قائلا :
– قبل أن نبدأ جلستنا هذه دعونا نعلمكم بأننا سنكون بينكم حكما بالعدل بناء عما نراه حسب قوانين البشر فهل يوافق الطرفين على ذلك ؟
فأسرعت النملة بالإجابة قائلة : أجل أيها القاضي فلقد كرم الله الإنسان بالعقل وميزه بذلك عن باقي المخلوقات . ثم نظرت إلى الأسد وسألته ألا توافقني أيها الملك ؟
وحينما أبدى الأسد موافقته أعلن الكاهن قائلا إذا لنبدأ وأشار إلى الأسد ليبدأ حديثه أولا .فاقترب قائلا :
-تجرأت تلك الحشرة وتحدتني هكذا أمام الجميع قائلة بأنها الأقوى والأفضل في كثير من الأمور في حين كما تعرف ويعرف الجميع بأنها أضعف المخلوقات فما قولك
فقال الشيخ : لا نستطيع أن نبدي رأينا قبل أن تستعرضا مقدراتكما على فعل الأشياء ولا تستغرب إذا ما كانت النتيجة لصالحها فنحن سنحكم بناء على ما نراه من أدلة وبراهين ونحن نؤمن بان الله وضع سره في أضعف خلقه.
-الأسد إنها مجرد مخلوقة صغيرة لا تقوى على شيء بينما أنا أفوقها عظمة ووزنا ومركزاً فأنا حينما أزمجر صارخاً يتأهب الجميع لتلبيتي بكل خشوع وخضوع ويمتثلون لأوامري على الفور .
رفعت النملة رأسها بكبرياء وقالت :
-أنا أيضا طلباتي مجابة ودون حاجتي للصراخ أو الزمجرة هزة من رأسي كافية ولتعلم بأن ارتفاع الصوت يضعف الحجة .
نظر كل من الشيخ والكاهن وهزا رأسيهما ثم وضعا نقطة لصالح النملة وعاد الأسد ليقول :
-أنا أسرع منها في قطع المسافات وخلال دقائق في حين تقضي هي أيام عديدة لتقطع نفس المسافة
فأجابته النملة : المهم هي النتيجة وأنا بإمكاني السير لمسافات طويلة كما تفعل أنت ولكن ليس بالسرعة ذاتها على كل ( إن في العجلة الندامة وفي التأني السلامة ) وحينما أصمم على هدف فلا بد أن أصل فإن صبري بلا حدود ومن سار على الدرب وصل
هز الشيخ رأسه وقال : نعم أيتها الملكة المهم هي النتيجة
الأسد : أنا أقوى منك
النملة : لا ليس بالضرورة فإذا قسنا الأشياء بالنسبة للأحجام فأنا الأقوى
وتساءل الكاهن : كيف ؟
النملة : إن ما أستطيع حمله بالنسبة لحجمي لا يقوى هو على حمله بالنسبة لحجمه فأنا مثلا أستطيع أن أحمل الجرادة التي تزيد عن حجمي أضعافا عديدة وأسير بها إلى مسافات بعيدة فهل يستطيع هو أن يحمل الفيل الذي يفوقه وزناً ويسير فيه إلى مسافات طويلة كما أفعل أنا ؟
فصرخ الأسد غاضبا: إن الفيل يفوقني بالحجم والوزن
- وكذلك الجرادة أيها الملك .
- ربما تكونين أكثر قدرة على الحمل والصبر ومع ذلك أستطيع أن أعدمك الحياة خلال لحظة بينما أنت فلا تستطيعين ذلك .
- أجل ولكن الأعمار بيد الله وأنا حينما أموت على يديك يكون هذا قدري أما أنا فبإمكاني أن أمارس ضدك عمليات تعذيب لست قادرا أنت على إتباعها ضدي
- أنت ؟
- أجل ... فمثلا أستطيع أنا وبكل بساطة أن أدخل إحدى أذنيك لأتجول بداخلها وأدغدغك حتى لا يعود بإمكانك الهدوء فهل تستطيع أنت الدخول إلى أذني ؟
- لا .
- أستطيع أيضا أن أخترق حصون مملكتك وأتجول بها هل أنت قادرا على اختراق حصوني ؟
- لا
- إذاً فإن حجمي الصغير له مزاياه أيها الملك ( وإن لله في خلقه شؤون ) وهذا بالنسبة للقوة وللضعف أما بالنسبة للأفضل من النواحي الأخرى فإن القوانين التي أطبقها في مملكتي فإنك أيضاً عاجز عنها وهي الأفضل ففي مملكتي يعم الهدوء والسلام والعدل في حين يسود مملكتك الفوضى وقلة الانضباط فالقوي يأكل الضعيف والكبير يقتل الصغير بينما نحن في مملكتنا يد واحدة وقلب واحد نتعاون معاً ونعمل معاً .
فهل بإمكانك أن تجعل من الجميع يد واحدة ؟
وحينما اعترف بعجزه من هذه الناحية أيضاً حكمت المحكمة بانتصار النملة وتفوقها في كثير من المجالات
وأعلنت انتصارها أمام الجميع .