شبابي والقدر
- عمّتِ مساءاً يا سيدتي... أنا رأفت توفيق .
- هكذا ابتدأ حديثه وبلا أية مقدمات ، حينما فوجئت به يدخل مكتبي بينما كنت أجمع أشيائي وأنا على وشك الخروج .
- كيف دخلت إلى هنا ؟
- لم أرى أحداً في الخارج أستأذنه .
ثم أكمل قائلاً: أنا أعلم بأنك قد سمعت بي وعرفتني كما عرفتك ودون أن نلتقي. كانت زوجتي تكثر من حديثها عنك, ولا بد أنها فعلت الشيء نفسه معك، وإن لم تفعل لا يهم. فلا بد أنك قد سمعتي بقصتي معها من الكثير من الناس فنحن الآن حديث الموسم في مجتمعنا هذا الذي لا يكف عن الثرثرة .
وفعلاً كان بإمكاني لو لم يفاجئني بدخوله أن أتعرف عليه على الفور قبل أن يقدم نفسه فلقد أبدعت منار في نقل صورته فلقد وصفته لي بدقه من الناحية الشكلية والفعلية .
شاب في الثلاثين من العمر أسمر البشرة يتخلل الشيب رأسه قبل أوانه عاقد الحاجبين على الدوام حاني الرأس باتجاه كتفه الأيمن , ويداه في جيوبه وكأنه يحاول أن يخفي عيباً فيهما .
فقلت معترفة: أجل لقد سمعت عنك ومن الطرفين. زوجتك، والناس.
ثم أكملت ساخرة: وهل أنت قادماً لتتعرف عليّ بعد أن اختلفت مع زوجتك ؟
فأجابني: إنما كنت دائماً أتساءل عن عدم زيارتك لنا بعد عودتك من السفر وهي التي كانت على استعداد تام لتأجيل موعد زفافنا إلى حين حضورك وكنت بذلك قد وفرت لي الفرصة المناسبة لأضع عليها واحدة من الأخطاء التي كنت أبحث عنها دائماً وأقول : ها هي صديقتك التي كنت تكثرين من الكلام عنها لقد عادت إلى البلدة ولكنها لم تفكر ولو للحظة بزيارتك بعد عودتها لتقديم التهاني على زواجك
فقلت مدافعة عن نفسي: حينما عدت كنت قد سمعت عن الخلافات القائمة بينكما فلم أكن لأتدخل.
- أجل هي أيضاً قالت لي هذا .
- إذاً لندخل بالموضوع. ما سبب تشريفك لي بهذه الزيارة ؟
وبلا أية مقدمات أو إحراج قال وكأن الأمر تافه ولا يستحق أن يتوقف عنده :
- أريد زوجتي .
- ماذا ؟ بعد كل ما حدث, لابد أنك معتوه.
- لا لست كذلك . كنت معتوهاً فيما مضى والآن عاد لي عقلي.
- وما دخلي أنا بذلك ؟ بإمكانك أن تقول لها هذا .
- أجل . فيما لو كانت تسمح لي بذلك, فهي ما أن تسمع صوتي على الهاتف حتى تغلق الخط على الفور, وما أن تجد رقمي على هاتفها الجوال حتى ترفض المكالمة, بل هي في الفترة الأخيرة تقفله على الدوام.
فأجبته بهدوء : بصراحة الحق معها . كانت تصرفاتك في غاية السوء حسب ما سمعت, وكانت صدمتها بك كبيرة للغاية.
فهز رأسه معترفاً وأجاب دون أن يرفع رأسه عن الأرض:
- أجل أنا واثقٌ من ذلك.
فقلت مفسحة له المجال للدفاع عن نفسه، قد يكون هناك شيئاً من المبالغة فيما قد سمعت. فكيف تؤكد ذلك قبل أن تعرف عمّا تحدثت وما تحدث به الناس ؟
- قد يبالغ الناس، أما منار فهي صادقة ولا تكذب.
- تبدو وكأنك نادماً حقاً.
- وهل تشكين في ذلك ؟
- بصراحة, لم أعد أملك الثقة فيما أسمعه أو أراه منك.
- فأجابني بوقاحة بعض الشيء الحقيقة حينما أتيتك طالباً العون لم أكن أسعى إلى ثقتك بي، ولكنني أسعى لتعاونك معي، وإن لم يكن من أجلي فمن أجلها هي. أنت تعلمين جيداً بأنها تحبني ولن تشعر يوماً بالسعادة وهي بعيدةً عني ، ولكنها بالإضافة لصدمتها بي فهي تكابر قدر ما تستطيع ، وأنا متأكداً بأنها ترفض الإجابة على مخابراتي وترفض مقابلتي لسبب واحد هو خوفها من نفسها من أن تضعف أمامي أكثر من أي شيء آخر , وكل ما أرجوه منك أن تقنعيها با لموافقة على مقابلتي , فهي ما زالت زوجتي وسأقاوم طالما أستطيع على ألا يتم الطلاق الذي تطالبني به في المحكمة , فأنا مازلت باقٍ على العشرة ومتمسكاً بوجودها إلى جانبي الباقي من عمري .
فقلت مستغربة تمسكه بها بعد كل ما تعرضت له من ظلم بسببه: أي شيطان ٍ كان في داخلك ليجعلك تتصرف معها بهذه القسوة طالما أنت تحبها كل هذا الحب..؟
- قد تتمكني من إيجاد عذر لي فيما لو حدثتك عن الظروف , رغم أنني قد لا أجد لنفسي العذر بعد أن شعرت بفداحة ما أقدمت عليه إلى الحد الذي جعلها تطالبني بالطلاق , فأنا لا أستطيع أن أتخيل بأنني سأعيش باقي عمري بعيداً عنها .
- إذا حدثني عن الأسباب التي تبحث هي عنها وحتى الآن لم تتوصل إلى الجواب الشافي .
وبدا مسترسلاً بحديثٌ طويل فقال :
- تعرفت عليها للمرة الأولى في الجامعة ومع أنني كنت قد سمعت عنها الكثير إلا أن الظروف و الصدفة لم تجمعنا قط ونحن في بلدتنا هذه إنما حينما أصبحنا نحن الاثنان في الجامعة ونزلنا إلى العاصمة هناك كان لقاءنا الأول فنحن ندرس نفس الفرع ومن نفس البلد وهذا ما جعلنا أقرب إلى بعضنا البعض ، فلقد جمعتنا الغربة والجامعة والأهداف , ولكن الفرق الذي كان بيننا فهي أصغر مني بعامين رغم أنني لم أرسب ولا سنه بل كنت دائماً الأول في المدرسة ولهذا سمعت بأخبارها فيما مضى حينما كنا في بلدتنا الصغيرة فهي أيضاً كانت الأولى في مدرستها الثانوية للبنات وكان مجموعها يفوق مجموعي بعدة درجات وهذا ما خلق في داخلي شيئاً من التحدي في البداية وكنت أسعى لمنافستها عن بعد إلى أن أتى يوماً دخلت به شقيقتي التي ربتني بعد وفاة أمي وأنا طفلا ً رضيع وفضل أبي الزواج بعدها بفترة قصيرة وكانت أختي الكبيرة ما تزال عروساً في شهر العسل فصممت على حضانتي وأخفت عني كوني شقيقها بل كنت على الدوام أعلم بأنها أمي إلى أن عرفت الحقيقة يوماً وبطريق الصدفة مما كان لذلك لآثر الكبير على نفسي لفترة طويلة بل إلى الآن , المهم دخلت لتقول لي :
- ألن تكف بعد عن الدراسة لقد تأخر الوقت أرحم نفسك يا بني. وكانت ما تزال مصممة على كوني ابنها حتى بعد أن عرفت الحقيقة. وأكملت قائلة : أعلم بأن منار ابنة الحاج محمود تشعرك بالحنق لكونها قد سبقتك بالمجموع ، ولكن لا تلم نفسك فهي لايمكن أن تكون أكثر ذكاءً منك ، ولكن ظروفها تختلف فهي وحيدة والديها وخلقت وفي فمها معلقة من ذهب لا ينقصها شيء على الإطلاق في حين أنت تفتقر للهدوء لوجود العدد من الإخوة وذلك ضمن هذه المساحة الصغيرة فأنا لن أتمكن من توفير غرفة خاصة بك ولن أتمكن من دفع مبالغ طائلة للدروس الخصوصية التي يمكن أن تتوفر لها، مع أنني سمعت بأنها لا تحتاج لها .
- وحينما خرجت شقيقتي من الغرفة فكرت فيما قالته أجل فظروف منار أفضل من ظروفي بكثير فهي لم تحتاج للتأخير في تسجيل أسمها بين المواليد الجدد بسبب وفاة والدتها ، وانشغال والدها بنفسه والبحث عن عروس المستقبل مما جعل الأيام تفوت لمدة سنتين متتاليتين ليتذكروا بأن اسمي لم يسجل ضمن أوراق رسمية ومن أجل ألا يحتاجون لدفع غرامة التأخير قاموا بحذف عامين من عمري و سجلوا اسمي من مواليد ذاك العام , وهي لا تحتاج لانتظار أن ينام جميع أفرد العائلة لتتمكن من إيجاد الوقت المناسب للدراسة، كما وأنها تعيش حياة طبيعية بين أبوين حقيقيين وليسا مزيفين كأبويّ . فأنا دائماً لدي إحساس بأنني سرقت من أولاد أختي ما هم أحق به مني بالعاطفة والمال والجهد وشيئاً فشيئاً أخذ الحقد يتغلغل في داخلي اتجاه منار , منار الفتاة التي يتوفر لها كل شيء فتعلو وتتفوق على حسابي في حين أنا الأفضل , أنا الشاب الذي يجب أن تكون ظروفه أفضل وكنت أسعى دائماً لأتعرف عليها وأعلمها بأنني أفضل منها ولكن الظروف فقط هي السبب ولكن لم يتثنى لي هذا إلا في الجامعة .
وهناك كانت ظروفنا متشابهة، فنحن الاثنين نعيش في السكن الجامعي، وندرس في نفس الفرع، ومع ذلك كانت نتيجتها هي الأفضل. فلم يكن أمامي سوى أن أجد ما يشغلها لأتمكن من التفوق عليها. فتقربت منها أكثر وادعيت حبها ، وفعلاً وجدت النتيجة التي كنت أسعى لها وإن تكن بنسبة قليلة، فلقد كان مجموعنا واحد وكنت أعلم جيداً بأن هذا بسبب تعاونها معي المهم أصبح لقاءي بها حسب ما كنت أقنع نفسي مجرد عاده لا أكثر ولا أقل . في حين كانت هي تهبني عواطفها ووقتها بكل صدق، وحدثتني عن ظروفها بكل أمانة، وصراحة وقالت لي:
- لا تأخذ بالمظاهر، فأنا أيضاً لي ظروفي التي تنغص حياتي ولا يوجد بيت يخلو من الهموم.. فقلت :
- : إلا أنت، فلقد توفر لك المال والحب والحنان وكل ما يتمناه المرء.
فقالت: قد يكون الحب الزائد في بعض الأحيان نقمة, أمي امرأة واقعية وتنظر للحياة كما يجب أن تكون وكما هي سنّة الكون، فهي تقوم بدورها اتجاهي على أكمل وجه، وتعرف بأنه في النهاية سأنسلخ عنهم ليكون لي بيتي الخاص، وحياتي الخاصة. في حين حب أبي يرفض الاعتراف بذلك وبشدة، ولا يتخيل في يوم من الأيام بأنني قد أفكر مجرد تفكير في الابتعاد عنه والبحث عن الزوج المناسب، وإلا.. فأنا ابنة عاقة. لا أستحق الحب الذي يهبني إياه، فحبه لي حباً لا يخلو من الأنانية. فكما هو وهب حياته لي فقط، ولم يفكر بالزواج من امرأة أخرى. بعد أن أكد الطبيب عدم قدرة والدتي على لإنجاب من بعدي بعد خضوعها لعملية استئصال الرحم فعلي أنا في المقابل ألا أفكر بأي شخصاً سواه .
وكان ما قالته صحيحا ً فلقد تعرضنا للكثير من الصعوبات، وبعض من التحديات من قبلها والدعم الكبير من والدتها، وتدخل بعض الناس حتى استطعنا إقناعه بالموافقة على زواجنا . والغريب بالأمر بأنني لم أشعر با لامتنان لها كونها ضحت لأجلي الكثير حتى استطعنا الوصول إلى هدفنا ، بل شعرت بالحسد يدب في جسدي لكثرة تعلقه بها في حين قام أبي بتسليمي إلى أختي وزوجها بكل بساطة وتخلى عني بلا مقابل بل وافق على تبنيهم الكامل لي .
- ووجدت نفسي أبحث المشاكل وأسعى إليها فإذا بها تتجنبها بكل حكمة وروية ، وبحكمتها هذه كانت تشعرني بالجنون حينما لم أعد أتمكن من إيجاد ما يدعوني لاستكمال ما خططت له فهي دائما صاحبة الكلمة الأخيرة، وهي قوية متماسكة مما تجعلني في أ كثر الأحيان اشعر بسخافة تصرفاتي، وما نطقت به ,
كانت دائما تفاجئني بكلمات تعجز عنها الفلاسفة وهذا ما كان يشعرني أكثر بتفوقها الفكري. فلم يكن أمامي سوى أن أحطم كبرياءها، وأحاول إذلالها وأفتش عن نقاط ضعفها لأصمها بها وحينما لم أتمكن من الوصول إلى ذلك عن طريق العقل والتفكير فقد أخذت أبحث عما يمكنني أن أعيرها به من الناحية الجسدية فقلت لها مرة وأنا في أوج ساعات غضبي : أتعتقدين بأنك كاملة مكملة لا ينقصك شيء لا. ...فلتصح من غفلتك فأنت ضئيلة الحجم قصيرة القامة .
وشعرت بالصدمة التي تسببت لها بها جراء قولي هذا، فشعرت بالزهو للحظات كوني قد تمكنت منها أخيرا ولكن فوجئت بها تقول :
- هذا ليس عذري , .. فهل تعذر الخالق فيما خلق ؟ ... وإن كانت عاهتي في ضآلة حجمي فعاهتك أنت في ضمير لم يخلق بعد.. وأسفي .. أسفي عليك فيما لو حدثت معجزة ودبت الحياة يوماً في عضو ٍ ما في داخلك أسميناه الضمير فستقضي باقي عمرك متألماً على أولى جرائمك التي هي أنا.
فقلت ساخراً: وما الذي جعلك تعتقدين بأنك أولى جرائمي ؟
فأجابت بثقة :
لأن الفرصة لم تواتيك لتحمل سلاحاً تعبث به كيفما تشاء إلا بعد أن تزوجتني .
وخلال مشاجرة أخرى قالت لي: أريد الطلاق, أرجوك يا رأفت لننفصل بهدوء قبل أن نضيف المزيد من الجراح في داخل كل ٍ منا، دعني أحتفظ لك بذكرى واحدة طيبة, فعلى ما يبدو لديك الكثير من الإبداع في هذا المجال. إلى الحد الذي توصلت به إلى رفع يدك وضربي.
فحينما تزوجت منك كنت أحلم دائما ً بالحياة السعيدة، والبيت الدافئ الذي سيضمنا.
(ما حلمت يوما ً أن أنام وأنا مفتوحة العينين خوفاً من نصفيّ الآخر.)
كان لها في كل كلمة حكمة وفي كل جملة عبرة , وكنت أنا أستميت للوصول إلى مستواً أعلى من مستواها فلم يكن أمامي سوى أن أشدها إلى القاع لأعلو على أكتافها، فإذا بها دائماً كقطعة الفلين تعلو فوق الأمواج التي تتقاذفها وبكل بساطة ورأسها فوق مستوى الخطر .
واكتشفت متأخرا بعد أن فقدتها بأنني كنت في البداية أعاكسها لأذلها ولأطعن كبرياءها , أما فيما بعد فكان ذلك للاستفادة من حكمتها وذكاؤها , واعترفت لنفسي متفاخراً بأنني ما خرجت من المعركة بخاسر , فلقد استفدت منها الكثير ولكن فرحتي لم تستمر طويلا ً كوني عرفت بأن غنيمتي أتت متأخرة وفي الوقت الغير مناسب وكان الثمن غالياً حينما شعرت بفقدانها .
فأرجوك يا سيدتي لا تتخلي عني وساعديني للقاؤها .
والحق يقال لقد شعرت بالكثير من التعاطف معه لذلك وعدته خيراً، وكنت عند وعدي فلقد عملت المستحيل حتى تمكنت من إقناع منار لموافاته، وكان ذلك بعد يومين من حضوره إلى مكتبي، وقالت لي أخيراً : أنت على حق ففي النهاية لن أهرب من لقاؤه هذا أمراً لابد منه، فلنضع النقاط على الحروف وننتهي .
وحينما اجتمعا أخيراً فوجئت به يحاول أن يحملها بعض المسؤولية،ويوجه اللوم لها، وإن يكن بطريقةٍ مستترة وبشكل غير مباشر , وحينما شعر بنظرة اللوم التي وجهتها لي كوني سعيت بهذا للقاء قال:
- أرجوك يا منار، دعينا نبدأ من جديد فأنا لا أستطيع أن أحيا بدونك ألم تلاحظي بأنني أحبك ؟
فأجابته بحده :
لا تقل كلمة حبٍ على لسانك فأنت لا تعرف معناه فبالحب نبني ولا نهدم
وأنت ورغم كونك مهندساً إلا أنك لم ولن تعرف كيف تبني .
فجثا أمامها على ركبتيه، وهو حاني الرأس وقال : منار .. أعرف بأني ظلمتك ولكن المجتمع والظروف كانا سبباً في دماري فلا تتخلي عني.
فاقتربت منه لتمسك بكتفيه وتشده ليقف أمامها وقالت آمرة :
أرفع رأسك وحدثني , فأنا لا أحب أن أرى من كان زوجي ذليلا ً لأن هذا يذكرني بسوء اختياري ,
أما عما تسببه لك المجتمع والظروف فلقد دفعت أنا ثمنه من حياتي وشبابي ولكن أرفض أن يكون هذا قدري
فما أقسى أن يوضع مصير إنسان عزيز بين أيدٍ آثمة .
وطالما الله قد أعطانا العقل لنفكر فأنا لن أدع عواطفي تسيرني من جديد ولن أقول هذا هو قدري فسأتماسك وأحاول أن أصنع ظروفي ولن أترك الظروف تسيرني , أتدري لماذا ؟ حينما كرمني الله بالجمال والشباب أوصانا بما وهبنا وأعلمنا بأن روحنا وحياتنا أمانة سنسأل عليها في الآخرة وبعد موتنا. وعودتي للحياة معك تعني الانتحار بالنسبة لي بعد كل العذاب الذي ذقته على يديك وأنا لن أدفع الثمن مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء لذلك لا تحاول معي مجدداً فأنا أرفض . سأصنع ظروفي بيدي ولن أدع الظروف تصنعني , ولن أقل هذا قدري فهناك فرق كبير بين القدر الذي ليس لنا يد فيه وبين الظروف التي نستسلم لها بسلبية تامة وننسب فشلنا للقدر. بل سأحافظ على شبابي قدر المستطاع، وأصنع قدري وأبحث له عن الأرض الطيبة والمناخ المناسب لذلك, ولن أقف مكتوفة الأيدي وأنا أراه يموت ويذبل أمامي دون أن أفعل شيء لأجله، وأقول هذا قدري.
ولم أكن أتخيل ردة فعله للحظه حينما هجم عليها يحاول خنقها وهو يزمجر صارخا ستدفعين الثمن باقي عمرك.. صدقيني.
فابتعدت بسرعة عن متناول يده وقالت : كنت أمتحنك للمرة الأخيرة لأتأكد بأنك صادقاً في ادعاءك الندم وها هي النتيجة لقد وصلتني الإجابة، وتأملته للحظات فيما هو يقف مصدوماً، ومندهشاً في آنٍ واحد وقالت: إنني لأتساءل هل سيأتي يوماً ينفخ فيه بالصور فتحيا الضمائر على الأرض .
ونظرت إليّ قائلة إلى اللقاء يا سهام ,
نصيحتي لكي بعد اليوم فيما لو فكرتي بالزواج يوماً فلتبحثي عن الأصل الطيب وخذي من تجربتي درساً وابحثي عمن يعرف قدر نفسه ليتمكن من معرفة قدر الآخرين
ثم خرجت من الباب بكل هدوء في حين ارتمى رأفت على أقرب كرسي منهاراً .