بعد مرور عشرات السنوات على جلاء المستعمر الفرنسي عن بلدنا مازالت هنالك الكثير من الصفحات الغائبة من نضالات شعبنا ضد الاحتلال الفرنسي و اليوم سأحاول أن أسلط الأضواء على إحدى الصفحات المشرقة من مقاومة شعبنا في الساحل السوري للاستعمار الفرنسي بإحدى المعارك التي لم نسمع إلا باسمها و بالنصر الذي تحقق بها
إنها معركة ترتياح التي جرت تحديداً اليوم بقرية كفردلبة التي كانت مزرعة تتبع لقرية ترتياح و تقع هذه المزرعة بالشمال الشرقي من محافظة اللاذقية على بعد حوالي خمس و خمسون كيلو متر من مركز مدينة اللاذقية و تبعد حوالي عشرة كيلو مترات عن مصيف صلنفة المشهور و اثنان كيلو متر عن مصيف سلمى و الذي يعد مركز المنطقة ، و تتميز قرية كفردلبة بموقعها المرتفع حيث أنها ترتفع حوالي ألف و مائة متر عن سطح البحر و تطل على المنطقة المحيطة بها ، و بالإمكان رؤية البحر و جبل الأقرع و قمة النبي يونس منها و لقد منحها الله موقعاً محصناً على قمة جبل من جهة و أحاطها بوادي من جهة أخرى(الجنوب )، المهم بعد سقوط اللاذقية بأيدي الاستعمار الفرنسي اتجه المستعمر إلى جبال اللاذقية ليرضخ أهلها و ارتكب مجازر بقرية بابنا و التي كانت في حينها مركز قائم مقامية المنطقة و عندما سمع أهالي منطقة سلمى بما حدث من مجازر لأهلهم و أقربائهم في قرية بابنا (سمعوا بأخبار المجزرة من أهل بابنا اللذين هجروا منطقتهم بعد المجزرة و تم استقبالهم في منطقة سلمى و القرى المحيطة بها و بعضهم ما يزال إلى يومنا في هذه القرى) أيقنوا أن الدور بات عليهم خاصة و أن منطقتهم هي صلة الوصل بين ثورتي إبراهيم هنانو و الشيخ صالح العلي لذلك بدؤوا بإعداد العدة لملاقاة العدو ، عقدوا اجتماع بمضافة مصطفى آغا شامدين بقرية ترتياح ضم وجهاء المنطقة نذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر الحاج مجيد حمدو و نوري آغا الحجي و نوري آغا بازيدو و ناجي آغا بكداش و خليل ابراهيم آغا و عمر آغا حاج بكري و كان اختيارهم لقرية كفردلبة مكان للمعركة نظراً لموقعها الحصين و لسهولة نقل الإمدادات إليها و وزعوا المهام فيما بينهم فتم تكليف نوري آغا الحجي للاتصال بثورة إبراهيم هنانو من أجل التنسيق معها بغية فتح أكثر من جبهة في آن واحد تنهك الاستعمار و تشتت قواه و كلفوا نوري آغا بازيدو للاتصال بالأتراك من أجل إحضار ما أمكن من دعم و اتفق الجميع على إعطاء قيادة المعركة لمصطفى آغا شامدين و ذلك لعدة أسباب لعل أهمها معرفته الدقيقة لأرض المعركة و المنطقة المحيطة بها لكونها تقع ضمن أملاكه و بسبب ما عرف عنه من ذكائه الحاد و ما تمتع به من محبة الأهالي ، و سريعاً قاموا بإخلاء قريتي دورين و الكوم من ساكنيها بسب موقع هاتين القريتن و الذي يعتبر من المواقع الضعيفة عسكرياً و جرت الرياح كما اشتهت السفن ، هجم الفرنسيون على قريتي دورين و الكوم و احتلوهما دون مقاومة و احرقوهما (بسب التفريغ التكتيكي لهاتين القريتين) و أراد الفرنسيون أن يحتلوا حاضرة المنطقة قرية سلمى و لكنهم تنبهوا لخطورة موقع كفردلبة فخافوا أن يحتلوا سلمى و التي تقع بمنخفض تحت قرية كفردلبة مما قد يوقعهم تحت رحمة نيران الأهالي لذلك قرروا احتلال كفردلبة أولاً و من ثم التوجه إلى سلمى و هنا وقعوا بالفخ الذي نصبه الأهالي لهم ، عند توجههم لكفردلبة لابد لهم من عبور وادي وعر نزلوا بالوادي و عندما بدؤوا بالصعود أراد الثوار ضربهم و لكن قائدهم مصطفى آغا منعهم من ضربهم مما ململ بعض الثوار فأجابهم يا أبنائي وقت المعركة لم يحين بعد إننا نريدها معركة حاسمة علينا بالصبر حتى يصلوا إلى نقطة اللا عودة ، يوجد ضمن قرية كفردلبة سهل يدعى كرم الشرشار و منطقة صخرية تدعى الفتيح ملاصقة له مساحتهما حوالي سبعون دنم على كتف الجبل ما أن وصلت طلائع الفرنسيون لهم ظنوا أنهم قد احتلوا القرية و كانت الحملة في حينه قد قسمت لثلاثة أجزاء جزء وصل إلى السهل و جزء يصعد الوادي و جزء من الحملة مازال ينزل إلى الوادي (على فكرة وعورة المنطقة هنا جعلت حركة الفرنسيين بطيئة جداً ) عندها بدأت المعركة و بسبب كثافة النيران و عنصر المفاجئ كبد الفرنسيون بخسائر فادحة (معظم خسائرهم كانت من الجنود السود الأفارقة )و عندما أرادوا الانسحاب قتل بعضهم بعض و التف الثوار عليهم و أصابوا قائد الحملة و بسب خسائر الفرنسيين الكبيرة أعطوا هذه المنطقة حكم ذاتي طيلة فترة حكمهم لسورية و لم يدخلها أي جندي فرنسي على الإطلاق طيلة سنوات الاحتلال ، و بعد هذه المعركة طلب الفرنسيون مفاوضة الأهالي و توجه إليهم مصطفى شامدين آغا على رأس وفد ليفاوضهم و ما كان من الفرنسيين إلا أن انقلبوا عليهم و سجنوه و قاموا بإعطائه دواء منعه من الإنجاب كعقوبة له بسبب مقاومته للاستعمار و تحت ضربات أنصاره قاموا بالإفراج عنه و عاش بعدها فترة من الزمن قضاها بالأمراض نتيجة السموم التي زرعوها بجسمه و المستغرب اليوم هو عدم تطرق المؤرخين لهذه المعركة و ما تبعها من معاركة و نضالات لشعبنا في هذه المنطقة و التي تعد المنطقة الوحيدة التي تمتعت بحكم ذاتي طيلة زمن الاحتلال الفرنسي لبلدنا و بالنهاية كل عام و بلدنا و قائدنا بألف خير .
منقول عن موقع alzazeraatalke www.aljazeeratalk.net/forum/showthread.php?t=240207