تعتبر قلعة الحصن من أهم الأوابد الأثرية والتاريخية والمعمارية في سورية وهي من أهم قلاع القرون الوسطى وأضخمها وأشهرها في العالم وأفضلها محافظة على بنائها حتى يومنا هذا وتتميز بهندستها العسكرية وقوة تحصينها الدفاعي فهي تتميز ببنائها وزخارفها الرائعة وبجدرانها وأبراجها العالية ودهاليزها ومقاذيفها وشقوق مرامي السهام وسلسلة من شرفاتها البارزة بحيث تحمل مزيجا من حضارات الشرق والغرب في فن العمارة.
فالقلعة تنتصب فوق هضبة بركانية نهاية سلسلة جبال الساحل شديدة الانحدار من جهاتها الثلاث مما يجعل اقتحامها صعباً جداً, ترتفع عن سطح البحر 750 م فهي بذلك تحتل موقعاً استراتيجياً هاماً ومتوسطاً بين حمص وطرابلس و طرطوس وبحكم غدا الموقع الهام نسيطر على ممر القوافل التجارية والعسكرية بين الساحل والداخل
وكانت تشغل موقعاً متميزاً من أجل مراقبة تحركات الجيوش وصد هجماتها فمن أبراجها العالية يمكن مشاهدة برج صافيتا والبحر غرباً وجبال عكار جنوباً (أي أن القلعة تقع شمال لبنان)ويمكن مشاهدة بحيرة قطنية وأطراف مدينة حمص شرقاً.
ليس في هذا الحصن ما يشير إلى وضع امي قديم ولكن ربما يعود في أساساته إلى العهود اليونانية وما بعد,حيث يذكر بعض المؤرخون بأن اليونان بنوا معقلاً عسكرياً في المنطقة المتوسطة بين طرابلس وحمص وقد سماها اليونان الحصن أو المعقل وتسرب هذا التعريف إلى العربية بكلمة "برج" لنفس المسمى,ففي عام 1031 شيد حصن من قبل أمير حمص في عهد شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس وجعل فيها حامية كردية عسكرية لصد هجمات الأعداء وأصبح الحصن يعرف عند المؤرخين باسم حصن الأكراد.
وفي سنة 1109 م, هاجمها الصليبيون بقيادة أمير إنطاكية Tancred واحتلها سنة 1110 م,فأدركوا أهميتها وموقعها المتميز فعملوا على تحصينها وتزويدها بالمنشآت الدفاعية والمرافق الحيوية(كمستودعات الحبوب والزيت والفرن والمعصرة والطاحونة ومرابط الخيل وأقبية وأحواض وآبار الماء) التي تكفل صمودها أمام الحصار لأطول وقت ممكن.
وقد حاول المسلمون استعادة القلعة عدة مرات فحاصرها سلطان حلب السلجوقي ألب أرسلان لفترة قصيرة سنة 1115 م,ولم يستطع تحريرها.
وفي عام 1142 م,تم تسليم القلعة من قبل Raimond II حاكم طرابلس إلى أخوية فرسان القديس يوحنا المعروفة (بفرسان المشفى( Hospitälern والتي كانت طائفة من الرهبان المقاتلين والذين أعادوا بناء دفاعات جديدة للقلعة وعرفت بعدها باسم قلعة الفرسان Crack des Chevaliers وعرفت باللاتينية باسم Cratom
تعرضت القلعة لزلزال عام 1157م,والذي دمر أيضا العديد من المباني في بلاد الشام,كما أصابها زلزال شديد عام 1169 م, فلم يبقى فيها سور قائم مما دعا الصليبيون لتجديدها ثانية وترميم الأجزاء المنهارة منها وزيادة تحصيناتها.....
قام العرب بمحاولات عدة لاستعادة القلعة فقد حاول السلطان نور الدين الزنكي تحرير القلعة مرتين عام 1163-1167 م,وقد جرت المعارك مع الصليبيين في سهل البقيعة جنوب شرق القلعة,كما حاصرها السلطان صلاح الدين الأيوبي حوالي عام 1188م, أثناء مرور جيشه لاستعادة الساحل السوري دون تحريرها.
وفي عام 1201 م, أصاب القلعة زلزال ثالث مدمر أحدث فيها أضراراً واسعة وبعد هذا الزلزال بدأ الطور الثالث من إعمار القلعة نتجت عنه حلقة الدفاع الخارجية والجدار المنحدر الضخم في الجهة الجنوبية والمستودع خلف الواجهة الجنوبية.
قام السلطان المملوكي الملك الظاهر بيبرس بأول محاولة لتحرير القلعة من الصليبيين عام 1267 م,بعد أن حرر كل الحصون والأبراج المجاورة والقريبة منها كما قام بالهجوم مرة أخرى عام 1269 م.
أعد الملك الظاهر بيبرس العدة والعتاد لاقتحام القلعة وبدأ الحصار الرسمي للقلعة في شتاء عام 1271 م, الذي استمر عن شهر ونيف ومن ثم سقطت القلعة بيد الملك الظاهر بيبرس في 6 نيسان من العام نفسه بعد أن استسلم الفرسان مقابل خروجهم إلى طرابلس.
أمر السلطان الظاهر بيبرس بتجديد ما تهدم من القلعة ووضعها في الخدمة وجعلها مركزاً لنائب السلطنة فقام المماليك خلال هذه الفترة بإضافة أبراج ومنشآت وعلى الأخص في الواجهة الجنوبية التي تم تدعيمها بواسطة برج الملك الظاهر بيبرس كذلك أضاف السلطان سيف الدين قلاوون برج مستطيل ضخم بارز على الجهة الجنوبية للسور الخارجي ومؤرخ عام 1285م,كما أضافوا الحمامات وبعض الأجزاء الأخرى كالجهة الشرقية الشمالية,وقام حاكمها الجديد صارم الدين قايمار بأعمال إصلاح النطاق تحت الإشراف المستمر للسلطان الملك الظاهر بيبرس.
كانت القلعة ما تزال تستخدم حتى أواخر العصور الوسطى وفي الأزمنة الحديثة وكانت سليمة تقريباً في أوائل عام 1800 م.
الشكل العام للقلعة بيضاوي بحيث تمتد مع خندقها على مسافة 240 م من جهة الشمال إلى الجنوب و170م من جهة الشرق إلى الغرب وتقدر مساحتها الإجمالية بثلاث هكتارات أي 30 ألف متر مربع وتتسع لعدة آلاف من المقاتلين.
والقلعة تتألف من حصنين رئيسيين:
1- الحصن الخارجي
2- الحصن الداخلي
وهي مجهزة بأربعة خطوط دفاعية:
1- الخندق المائي الخارجي والذي يحيط بكامل القلعة من الخارج ويشكل خط دفاعي أول للقلعة.
*
2 - الحصن الخارجي والسور الدفاعي وهو مؤلف من ثلاثة عشر برج دفاعي حول القلعة ويحتوي على عدة طبقات فيه غرف للحرس وأبراج دفاعية مختلفة الأشكال ومدعمة بالجدران والأبواب والجسور المتحركة وفتحات السهام ومصبات الزيت المغلي والماء الحار كما يوجد في السور مستودعات ومرابط الخيل والطاحونة وممرات سرية تؤدي إلى داخل وخارج القلعة.
3-الخندق المائي الداخلي والذي يفصل بين الحصن الخارجي والداخلي وهو يحيط بالقلعة من الداخل ولا يزال القسم الجنوبي منه قائماً حتى الآن وتتجمع فيه مياه الأمطار.
ويوجد فيه عدة أبواب تؤدي إلى الحصن الخارجي بواسطة جسور خشبية متحركة والأبواب بعضها معلق وبعضها الآخر يتصل بسراديب ضيقة تؤدي إلى الداخل تستخدم عند الحاجة.