نهج البلاغة : هو كتابٌ جمع خطب الامام علي كرم الله وجهه ، وهي الخطب التي تطرّق فيها كرم الله وجهه الى قصة الخلق وصفات الخالق والدنيا وكثير ٌ من الضروب الأخرى ،ولا يخفى على أحد بأن عليً كرم الله وجهه كان عالماً وخطيباً ،شاعراً وفارساً وكما قال رسول(ص) (انا مدينة العلم وعليٌ بابها)
ومايهمني اليوم خطبته عن وصف الخفاش والتي وصف فيها هذا الطائر وصفاَ فيزيولوجياً دقيقاً الى الدرجة التي تجعلنا مذهولين متسائلين فيمئذ قام أمير المؤمنين بتشريح هذا الطائر!؟علماً بأن العلم الحديث درس هذا الطائر ولم تأتي نتائجه بأدقّ مما قاله عليٌ رضي الله عنه .
أتمنى من الجميع قراءة الخطبة بصبرٍ وتمعّن حتى يتثنّى لكم فهم وادراك ليس فقط بلاغة أميرنا بل وجلالة علمه الفذ الذي سبق العالم بألاف السنين.
مع التنويه أني ذيّلت ُ الخطبة بشرحٍ للمفردات
[ 155 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
يذكر فيها بديع خلقة الخفاش
حمد الله وتنزيهه
الْحَمْدُ للهِِ الَّذِي انْحَسَرَتِ (1) الْأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَرَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ، فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ! هَوَ اللهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، أَحَقُّ وَأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ، لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِيدٍ فَيَكُونَ مُشَبَّهاً، وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ بِتَقْدِيرٍ فَيَكُونَ مُمَثَّلاً. خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ تَمْثِيلٍ، وَلاَ مَشُورَةِ مُشِيرٍ، وَلاَ مَعُونَةِ مُعِيٍن، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، فَأَجَابَ وَلَمْ يُدَافِعْ، وَانْقَادَ وَلَمْ يُنَازِعْ.
خلقة الخفاش
وَمِنْ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، وَعَجَائِبِ خِلْقَتِهِ، مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِضِ الْحِكْمَةِ فِي هذِهِ الْخَفَافِيشِ الَّتِي يَقْبِضُهَا الضِّيَاءُ الْبَاسِطُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَيَبْسُطُهَا الظَّلاَمُ الْقَابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ، وَكَيْفَ عَشِيَتْ (2) أَعْيُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ نُوراً تَهْتَدِي بِهِ فِي مَذَاهِبِهَا، وَتَتَّصِلُ بِعَلاَنِيَةِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلَى مَعَارِفِهَا. وَرَدَعَهَا بِتَلاَْلُؤِ ضِيَائِهَا عَنِ الْمُضِيِّ فِي سُبُحَاتِ (3) إِشْرَاقِهَا، وَأَكَنَّهَا فِي مَكَامِنِهَا عَنِ الذَّهَابِ فِى بُلَجِ ائْتِلاَقِهَا (4) ، فَهِيَ مُسْدَلَةُ الْجُفُونِ بَالنَّهَارِ عَلَى حِدَاقِهَا، وَجَاعِلَةُ اللَّيْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ في الْتَِماسِ أَرْزَاقِهَا; فَلاَ يَرُدُّ أَبْصَارَهَا إِسْدَافُ (5) ظُلْمَتِهِ، وَلاَ تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِيِّ فِيهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ (6) . فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا، وَبَدَتْ أَوْضَاحُ (7) نَهَارِهَا، وَدَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَى الضِّبَابِ فِي وِجَارِهَا ( ، أَطْبَقَتِ الْأَجْفَانَ عَلَى مَآقِيهَا (9) ، وَتَبَلَّغَتْ (10) بِمَا اكْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعَاشِ فِي ظُلَمِ لَيَالِيهَا. فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ لَهَا نَهَاراً وَمَعَاشاً، وَجَعَلَ النَّهَارَ لَهَا سَكَناً وَقَرَاراً! وَجَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ، كَأَنَّهَا شَظَايَا الْآذَانِ (11) ، غَيْرَ ذَوَاتِ رِيشٍ وَلاَ قَصَبٍ (12) ، إِلاَّ أَنَّكَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً أَعْلاَماً (13) . لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا يَرِقَّا فَيَنْشَقَّا، وَلَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُلاَ. تَطِيرُ وَوَلَدُهَا لاَصِقٌ بِهَا لاَجِيٌ إِلَيْهَا، يَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ، وَيَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ، لاَيُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ، وَيَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ، وَيَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَيْشِهِ، وَمَصَالِحَ نَفْسِهِ. فَسُبْحَانَ الْبَارِىءِ لِكُلِّ شَيْءٍ، عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ خَلاَ مِنْ غَيْرِهِ (14) !
--------------------------------------------------------------------------------
1. انحسرت: انقطعت.
2. العَشَا ـ مقصوراً ـ : سوء البصر وضعفه.
3. سُبُحات النور: درجاته وأطواره.
4. الائْتِلاف: اللمعان. والبَلَج ـ بالتحريك ـ : الضوء ووضوحه.
5. أسْدَفَ الليلُ: أظلمَ.
6. الدُجُنّة: الظُلْمة. وغَسَقُ الدّجُنّة: شدّتها.
7. أوضاح: جمع وَضَح ـ بالتحريك ـ وهو هنا بياض الصبح.
8. الضِّباب ـ ككتاب جمع ضَبّ ـ : الحيوان المعروف. والوِجار ـ ككتاب ـ : الجُحْر.
9. مآقيها: جمع مأقٍ وهو طرف العين مما يلي الأنف.
10. تَبَلّغَتْ: اكتفت أواقتاتت.
11. شظايا: جمع شظِيّة كعطيّة وهي الفلقة من الشيء، أي كأنها مؤلفة من شقق الآذان.
12. القَصَبة: عمود الريشة أوأسفلها المتصل بالجناح. وقد يكون مجرداً عن الزّغَب في بعض الحيوانات مما ليس بطائر، كبعض أنواع القنفذ والفيران.
13. أعلاماً: رسوماً ظاهرة.
14. «خلا من غيره»: تقدّمه من سواه فحاذاه.
ومايهمني اليوم خطبته عن وصف الخفاش والتي وصف فيها هذا الطائر وصفاَ فيزيولوجياً دقيقاً الى الدرجة التي تجعلنا مذهولين متسائلين فيمئذ قام أمير المؤمنين بتشريح هذا الطائر!؟علماً بأن العلم الحديث درس هذا الطائر ولم تأتي نتائجه بأدقّ مما قاله عليٌ رضي الله عنه .
أتمنى من الجميع قراءة الخطبة بصبرٍ وتمعّن حتى يتثنّى لكم فهم وادراك ليس فقط بلاغة أميرنا بل وجلالة علمه الفذ الذي سبق العالم بألاف السنين.
مع التنويه أني ذيّلت ُ الخطبة بشرحٍ للمفردات
[ 155 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
يذكر فيها بديع خلقة الخفاش
حمد الله وتنزيهه
الْحَمْدُ للهِِ الَّذِي انْحَسَرَتِ (1) الْأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَرَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ، فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ! هَوَ اللهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، أَحَقُّ وَأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ، لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِيدٍ فَيَكُونَ مُشَبَّهاً، وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ بِتَقْدِيرٍ فَيَكُونَ مُمَثَّلاً. خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ تَمْثِيلٍ، وَلاَ مَشُورَةِ مُشِيرٍ، وَلاَ مَعُونَةِ مُعِيٍن، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، فَأَجَابَ وَلَمْ يُدَافِعْ، وَانْقَادَ وَلَمْ يُنَازِعْ.
خلقة الخفاش
وَمِنْ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، وَعَجَائِبِ خِلْقَتِهِ، مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِضِ الْحِكْمَةِ فِي هذِهِ الْخَفَافِيشِ الَّتِي يَقْبِضُهَا الضِّيَاءُ الْبَاسِطُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَيَبْسُطُهَا الظَّلاَمُ الْقَابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ، وَكَيْفَ عَشِيَتْ (2) أَعْيُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ نُوراً تَهْتَدِي بِهِ فِي مَذَاهِبِهَا، وَتَتَّصِلُ بِعَلاَنِيَةِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلَى مَعَارِفِهَا. وَرَدَعَهَا بِتَلاَْلُؤِ ضِيَائِهَا عَنِ الْمُضِيِّ فِي سُبُحَاتِ (3) إِشْرَاقِهَا، وَأَكَنَّهَا فِي مَكَامِنِهَا عَنِ الذَّهَابِ فِى بُلَجِ ائْتِلاَقِهَا (4) ، فَهِيَ مُسْدَلَةُ الْجُفُونِ بَالنَّهَارِ عَلَى حِدَاقِهَا، وَجَاعِلَةُ اللَّيْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ في الْتَِماسِ أَرْزَاقِهَا; فَلاَ يَرُدُّ أَبْصَارَهَا إِسْدَافُ (5) ظُلْمَتِهِ، وَلاَ تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِيِّ فِيهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ (6) . فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا، وَبَدَتْ أَوْضَاحُ (7) نَهَارِهَا، وَدَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَى الضِّبَابِ فِي وِجَارِهَا ( ، أَطْبَقَتِ الْأَجْفَانَ عَلَى مَآقِيهَا (9) ، وَتَبَلَّغَتْ (10) بِمَا اكْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعَاشِ فِي ظُلَمِ لَيَالِيهَا. فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ لَهَا نَهَاراً وَمَعَاشاً، وَجَعَلَ النَّهَارَ لَهَا سَكَناً وَقَرَاراً! وَجَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ، كَأَنَّهَا شَظَايَا الْآذَانِ (11) ، غَيْرَ ذَوَاتِ رِيشٍ وَلاَ قَصَبٍ (12) ، إِلاَّ أَنَّكَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً أَعْلاَماً (13) . لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا يَرِقَّا فَيَنْشَقَّا، وَلَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُلاَ. تَطِيرُ وَوَلَدُهَا لاَصِقٌ بِهَا لاَجِيٌ إِلَيْهَا، يَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ، وَيَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ، لاَيُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ، وَيَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ، وَيَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَيْشِهِ، وَمَصَالِحَ نَفْسِهِ. فَسُبْحَانَ الْبَارِىءِ لِكُلِّ شَيْءٍ، عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ خَلاَ مِنْ غَيْرِهِ (14) !
--------------------------------------------------------------------------------
1. انحسرت: انقطعت.
2. العَشَا ـ مقصوراً ـ : سوء البصر وضعفه.
3. سُبُحات النور: درجاته وأطواره.
4. الائْتِلاف: اللمعان. والبَلَج ـ بالتحريك ـ : الضوء ووضوحه.
5. أسْدَفَ الليلُ: أظلمَ.
6. الدُجُنّة: الظُلْمة. وغَسَقُ الدّجُنّة: شدّتها.
7. أوضاح: جمع وَضَح ـ بالتحريك ـ وهو هنا بياض الصبح.
8. الضِّباب ـ ككتاب جمع ضَبّ ـ : الحيوان المعروف. والوِجار ـ ككتاب ـ : الجُحْر.
9. مآقيها: جمع مأقٍ وهو طرف العين مما يلي الأنف.
10. تَبَلّغَتْ: اكتفت أواقتاتت.
11. شظايا: جمع شظِيّة كعطيّة وهي الفلقة من الشيء، أي كأنها مؤلفة من شقق الآذان.
12. القَصَبة: عمود الريشة أوأسفلها المتصل بالجناح. وقد يكون مجرداً عن الزّغَب في بعض الحيوانات مما ليس بطائر، كبعض أنواع القنفذ والفيران.
13. أعلاماً: رسوماً ظاهرة.
14. «خلا من غيره»: تقدّمه من سواه فحاذاه.