كثير من يسمعون باسم "زرادشت" أو "الزردشتية" كديانة كانت في بلاد الأكراد القديمة، ولكن القليلين من يعرفون تفاصيل حقيقية هذا الرجل ودعوته ولا أحد يعلم.. هل هو نبي؟ أم فيلسوف؟ ام انه رجل مصلح يحب الخير لقومه.. هذه الشخصية الاسطورية التي دخلت التاريخ من اوسع أبوابها.. نعم انه أصبح أحد غموض التاريخ حتى تم العثور على لوحة تحتوي على صورة زردشت في سوريا.. ولوحة زردشت التي عثرت عليها المؤرخون في سوريا التي ترجع إلى عصر البارتيين
الذي يؤكده المؤرخون انه ولد في منطقة صحراء توركمان (تركمانستان حالياً) في شمال شرق إيران.. وبعض المؤرخين يقولون انه من اصول الأوغوزية وقسم يقول ان أُم والده آذرية. وينسب الآذريون زرادشت أليهم ويستدلون بذلك في قصة تخت سليمان ومكان تخت سليمان الموجود في آذربيجان ولكن هذا الدليل غير قوي.. نعم الديانة زردشتية كانت منتشرة في آسيا الوسطى وأفغانستان وإيران وشمال العراق وحتى سوريا وأكبر دليل على صحة ذلك هو مكان ولادة زردشت في صحراء توركمان..
اسمه "زرادشت بن يورشب" من قبيلة "سبتياما"، وكانت أمه لأبيه من أذربيجان، أما أمه فمن إيران واسمها "دغدويه".. ولد في القرن السادس قبل الميلاد، واختلفت المصادر في التحديد الدقيق لتاريخ مولده، غير أن المؤكد أنه ولد في وقت انتشرت فيه القبائل الهمجية بإيران، وانتشرت معها عبادة الأصنام وسيطرة السحرة والمشعوذين على أذهان البسطاء.
وتقول الأساطير: "إن والد زرادشت كان يرعى ماشيته في الحقل، فترآى له شبحان، وأعطياه غصنًا من نبات، ليمزجه باللبن ويشربه هو وزوجته دغدويه، ففعل وشرب ما طلبه منه الشبحان، فحملت زوجته، وبعد خمسة شهور من حملها رأت في منامها أن كائنات مخيفة هبطت من سحابة سوداء، فانتزعت الطفل من رحمها وأرادت القضاء عليه، إلا أن شعاعًا من نور هبط من السماء مزق هذه السحابة المظلمة وأنقذ الجنين، وسمعت صوتًا من هذا النور يقول لها: "هذا الطفل عندما يكبر سيصبح نبي أهورامزدا".
وتعددت الأساطير حول ميلاد زرادشت، ومنها أنه لما ولد قهقه بصوت عالٍ اهتزت له أركان البيت، وأن كبير سحرة إيران "دوران سورن" رأى أن طفلا سيولد، ويقضي على السحر وعبادة الأصنام، ويطرد الكهنة من جميع البلاد، وتستطرد الحكايات أن هذا الكاهن قد حاول قتله وهو في المهد مرات ومرات، وكان الفشل هو النتيجة دائمًا.الزردشت
اهتم والد زرادشت بابنه، ورأى أن يعلمه أفضل تعليم في البلاد؛ لذا أرسله في سن السابعة إلى الحكيم الشهير "بوزين كوروس"، وظل الابن معه ثمانية أعوام درس فيها عقيدة قومه، ودرس الزراعة وتربية الماشية وعلاج المرضى، ثم عاد إلى موطنه بعد هذه الأعوام الطوال.
ولم يكد يستقر بين أبويْه حتى غزا التورانيون إيران، فتطوع زرادشت للذهاب إلى ميدان القتال لا ليحارب وإنما ليعالج الجرحى والمصابين، ولما وضعت الحرب أوزارها انتشرت المجاعة في البلاد، وانتشر معها المرض، فتطوع زرادشت ثانية ليضع خبرته وجهده في علاج المرضى، وانقضت خمس سنوات أخرى من عمره في هذا الأمر.
ويبدو أن أباه قد ملّ من ابنه الذي تكاد حياته تضيع في خدمة الناس من حوله؛ لذا فعندما عاد إلى موطنه طلب منه أبوه أن يتخلى عن عمله بين الناس، وأن يتزوج ويعيش كغيره من الشباب ليرعى أرضه وماشيته، غير أن الابن لم ينفذ من وصية أبيه إلا الزواج من الفتاة الحسناء "هافويه".
وقد أقنعت الحرب زرادشت أن عليه عملا عظيمًا أفضل من تربية الماشية وزراعة الأرض؛ ألا وهو علاج المرضى وتخفيف آلامهم؛ لذا ظل عشرة أعوام أخرى بين المرضى يعالجهم، ويبتكر وسائل جديدة لمداواتهم، ووجد أن جهوده لم تضع نهاية لآلام الناس وأحزانهم، وتساءل عن مصدر هذه الشرور في العالم، وكانت هذه الأسئلة هي الباب الذي ولجه للتأمل العميق والرحلة طويلة.
الحقيقة.. من أجلها تُترك الزوجات الجميلات!!
استأذن زرادشت زوجته هافويه في أن يعيش بعيدًا عنها ناسكًا لفترة يفكر في الشر والخير، وانطلق إلى جبل "سابلان"، وعزم ألا يعود لبيته حتى يكتسب الحكمة، وظل هناك وحيدًا يفكر لشهور لعله يجد تفسيرًا للخير والشر، غير أنه لم يهتدِ لشيء، وذات يوم تأمل في غروب الشمس وحلول الظلام بعد النور، وحاول أن يكتشف الحكمة من ذلك، ورأى أن اليوم يتكون من ليل ونهار، نور وظلام، والعالم أيضا يتكون من خير وشر؛ لذلك فالخير لا يمكن أن يصبح شرًا، والشر لا يمكن أن يصبح خيرًا، وإن الكهنة والسحرة الذين يعبدون الأوثان والأصنام لا بد أن يكونوا على خطأ؛ لأن معتقداتهم كانت أن الآلهة والأوثان التي يعبدونها هي آلهة الشر، وأنهم يتقربون إليها اتقاء لشرها ودفعًا له، وهم كذلك يتقربون إلى إله الشر ليصنع لهم الخير.
ورأى أن تاريخ العالم يتمثل في الصراع بين الخير الذي يمثله الإله "أهورامزدا"، والشر الذي يمثله الإله "أهرمان"، وأهورامزدا لا يمكن أن يكون مسئولا عن الشر؛ لأن الشر جوهرٌ، مثله مثل الخير، وأن هاتين القوتين وجهان للموجود الأول الواحد؛ لذلك لا بد أن يكون بعد الموت حياة أخرى، بعدما ينتصر الإله الأوحد على الشر، عندئذ يُبعث الموتى، ويحيا الناس مرة أخرى، وتنطلق الأرواح الخيرة إلى الجنة، أما روح الشر وأتباعها من الخبثاء فيحترقون في المعدن الملتهب.. عندها يبدأ العالم السعيد الخير الذي لا شر فيه ويدوم سرمديًا.
وظل زرادشت على جبل سابلان يستوضح أفكاره، التي تخرج في بطء شديد كأنها ولادة متعثرة، وتزعم الأساطير أنه وهو واقف على الجبل رأى نورًا يسطع فوقه، وإذا به "فاهومانا" كبير الملائكة، قد جاء ليقود زرادشت إلى السماء ليحظى بشرف لقاء الرب، ويستمع إلى تكليفه بأمر النبوة، فصدع بالأمر، ثم قال بعدها: سأنزل إلى الناس، وأقود شعبي باسم أهورامزدا من الظلام إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الشر إلى الخير.
زرادشت يدعو.. والقوم لا يستجيبون
قرر زرادشت أن يدعو قومه إلى تعاليمه والإيمان بها، واستمر في دعوتهم عشر سنوات، لقي فيها عنتًا واضطهادًا، ولم يؤمن به أحد، وتخلت عنه عشيرته وأسرته، بل طرد من بلده، فتنقل بين البلاد والأقاليم، إلا أن الناس تجنبوه، وأغلقوا دونه الأبواب؛ لأنه رجل يسب الدين والكهنة، فتطرق اليأس إلى قلبه. وتزعم الأساطير أن أهورامزدا ظهر له، وأن الملائكة لقنته أصول الحكمة، وحقيقة النار المقدسة، وكثيرًا من الأسرار؛ فبدأت سحابة اليأس المظلمة تنقشع عن قلبه بعدما آمن به ابن عمه "ميتوماه" الذي نصحه أن يدعو المتعلمين من قومه إلى تعاليمه؛ لأن تعاليمه الجديدة صعبة على فهم الناس غير المتعلمين.
الجهال لا يستحقون الدعوة
سر الإيمان.. موت الحصان!!
ولم تستمر سعادته طويلا؛ إذ تآمر الكهنة عليه، ودبروا مكيدة له، انتهت بأن أصدر الملك كاشتاسب أمرًا بالقبض عليه وإلقائه في السجن، وأمر الناس أن يعودوا إلى عبادة الآباء والأجداد، ونفض عنه الإيمان بأهورامزدا. وتصادف في ذلك الوقت إصابة جواد الملك بمرض عضال عجز الأطباء عن علاجه، ولم تنفع دعوات الكهنة للآلهة في شفائه، وعلم زرادشت بالأمر، فأرسل إلى الملك أنه يستطيع شفاء الجواد شرط أن يعود الملك إلى تعاليمه التي هجرها، ووافق الملك على ذلك، وشُفي الجواد، وصدر الأمر بالإفراج عن زرادشت، وعاد الملك إلى تعاليمه وآمنت المملكة به، وازداد إيمان الملك عندما رأى كثيرًا من المعجزات تتحقق على يد زرادشت، الذي أصبح كبير كهنة الملك في بلاد بلخ بإيران.
ويقول الزرادشيتون: "إن كاشتاسب أمر بذبح اثنتي عشرة ألف بقرة، دُبغت جلودها، ورُبطت بخيوط الذهب الخالص، وكُتب عليها بحروف من الذهب جميع تعاليم زرادشت، التي عرفت باسم "الآفيستا"، ويقال أن الإسكندر الأكبر أحرقها عندما فتح فارس عام 330 ق.م، وأن بقايا الأفيستا جمعت بعد ذلك، وتمت ترجمتها إلى اللغة الفارسية، كما أن أقدم مخطوط لهذا الكتاب يعود إلى سنة 1258 ميلادية.
وكان لزرادشت ابنة صغيرة جميلة عاقلة تسمى "بوروكيستا" نالت إعجاب الأسرة المالكة، أعجب بها رئيس الوزراء وتزوجها، وبذلك دعم الرجل مركزه الديني بمصاهرة سياسية، ثم تشجع وحضّ الملك على أن ينشر تعاليم أهورامزدا في كل مكان؛ لذلك أرسل الرسل إلى الممالك والأقاليم المجاورة للدعوة إلى الأفيستا، ووصلت هذه التعاليم إلى جميع أنحاء إيران وإلى اليونان والهند.
جعلوني نبيًّا وجعلوا فلسفتي دينًا
هذا هو الملخص تقريبا لمسيرة هذا الرجل؛ فقد بدأ أمره طبيبًا بارعًا، وحكيمًا وفيلسوفًا، حاول الوصول إلى سر الكون بالنظر والتأمل العقلي.. تعرض للاضطهاد في بادئ أمره، ثم لما مرض حصان الملك وعالجه زرادشت كافأه الملك بأن أذاع نبوته، ونشر عقيدته، ولما تزوج رئيس الوزراء ابنته كافأه بأن فرض ديانته على الشعوب المجاورة.. لكن ما لبثت هذه الشعوب أن قتلته!!
صلاة زرادشت لم تُجدِ مع النضال
ولما بلغ زرادشت ستين سنة رأى أن يفرض الملك تعاليمه على شعب نوران المجاور لإيران، ودارت رحى الحرب بين المملكتين حول عقيدة زرادشت، وبعد معارك رهيبة شرسة انتصر الإيرانيون، وفرضوا عقيدتهم على الشعب المجاور، وأصبح زرادشت بطلا قومياً؛ كلمته قانون، وتعاليمه مقدسة، غير أن العقيدة لا تُفرض على القلوب، ولا تُصَب مبادئها في العقول، والدين اقتناع لا إكراه؛ لذلك كره شعب نوران زرادشت وتعاليمه، ولم يكفوا عن المقاومة طيلة سبعة عشر عامًا، حتى استطاعوا أن يشعلوا نار حرب أخرى كبيرة، والتقى الجمعان في ساحة القتال، أما زرادشت فذهب إلى المعبد مع ثمانين من كبار الكهنة يصلون من أجل أن تنقذ أسوار مدينتهم التي تتهاوى أمام شعب نوران، الذي رفض أن تفرض العقيدة عليه.
وتعالت دعوات زرادشت وهو راكع أمام الناس أن ينقذ شعبه وتعاليمه، غير أن الهزيمة كانت أقوى من الدعوات؛ فدخل النورانيون المعبد، وطعنوا زرادشت في ظهره بحربة، وقتلوا جميع الكهنة، وسالت الدماء في المعبد حتى أطفأت النار.
وانتهت حياة زرادشت وهو في السابعة والسبعين من عمره، وانتقم الملك لمقتله بعد ذلك، وانتصر على النورانيين، ولم يقبل منهم صلحًا حتى وعدوه باعتناق الزرادشتية.
الزرادشتية والإسلام
هناك عشر وصايا لزردشت يدعو فيها الناس إلى الرأفة بالحيوانات والتعامل معها على أساس أنها كائنات لها أرواح وخلقها الله لمنفعة الإنسان، أيضاً من ضمن تلك الوصايا (احترام الناس وعدم الاعتداء على الآخرين والرأفة بالضعيف، والتقمص, واحترام العلاقات بين القبائل والاقوام الجارة).
وقد يعتقد الباحثون ان زرادشت ما هو الا امتداد لفلسفات دينية قديمة سبقته كانت رائجة في الهند والصين و قد ظهرت ديانات كثيرة من بعده ابرزها الديانات السماوية ابتداءا من اليهودية وصولا للإسلام كما توصل الباحثون بعد عدة ابحاث إلى ان منبع هذه الديانات هو الديانة الزردشتية وقد اعتمدو اساسا على مبدأ الأقدمية باعتبار هذه الأخيرة أقدم من فلسفة الديانات السماوية وتطابق تعاليم زردشت في كثير من الاشياء مع تعاليم الديانات التي جاءت من بعده لتفسير الوجود.
ولكن بنظرة سريعة لمبدأ الأقدمية، نجد ان العقيدة اليهودية هي أقدم بكثير من عمر زارادشت.
من اقواله
بأذنيك استمع إلى هذه الحقيقة وبعقلك افهمها وبقلبك يجب أن تحبها انهض ايها النائم ايها الغافل ايها الكسول وانشر كلمات الاله في كل مكان نمت فيه أو صحوت فيه أو اكلت أو شربت انهض وقل كلمة الاله ولاتكن اخرس في الحق ولاتكن متهاونا في الخير.. هذه نصيحتي
منقول
الذي يؤكده المؤرخون انه ولد في منطقة صحراء توركمان (تركمانستان حالياً) في شمال شرق إيران.. وبعض المؤرخين يقولون انه من اصول الأوغوزية وقسم يقول ان أُم والده آذرية. وينسب الآذريون زرادشت أليهم ويستدلون بذلك في قصة تخت سليمان ومكان تخت سليمان الموجود في آذربيجان ولكن هذا الدليل غير قوي.. نعم الديانة زردشتية كانت منتشرة في آسيا الوسطى وأفغانستان وإيران وشمال العراق وحتى سوريا وأكبر دليل على صحة ذلك هو مكان ولادة زردشت في صحراء توركمان..
اسمه "زرادشت بن يورشب" من قبيلة "سبتياما"، وكانت أمه لأبيه من أذربيجان، أما أمه فمن إيران واسمها "دغدويه".. ولد في القرن السادس قبل الميلاد، واختلفت المصادر في التحديد الدقيق لتاريخ مولده، غير أن المؤكد أنه ولد في وقت انتشرت فيه القبائل الهمجية بإيران، وانتشرت معها عبادة الأصنام وسيطرة السحرة والمشعوذين على أذهان البسطاء.
وتقول الأساطير: "إن والد زرادشت كان يرعى ماشيته في الحقل، فترآى له شبحان، وأعطياه غصنًا من نبات، ليمزجه باللبن ويشربه هو وزوجته دغدويه، ففعل وشرب ما طلبه منه الشبحان، فحملت زوجته، وبعد خمسة شهور من حملها رأت في منامها أن كائنات مخيفة هبطت من سحابة سوداء، فانتزعت الطفل من رحمها وأرادت القضاء عليه، إلا أن شعاعًا من نور هبط من السماء مزق هذه السحابة المظلمة وأنقذ الجنين، وسمعت صوتًا من هذا النور يقول لها: "هذا الطفل عندما يكبر سيصبح نبي أهورامزدا".
وتعددت الأساطير حول ميلاد زرادشت، ومنها أنه لما ولد قهقه بصوت عالٍ اهتزت له أركان البيت، وأن كبير سحرة إيران "دوران سورن" رأى أن طفلا سيولد، ويقضي على السحر وعبادة الأصنام، ويطرد الكهنة من جميع البلاد، وتستطرد الحكايات أن هذا الكاهن قد حاول قتله وهو في المهد مرات ومرات، وكان الفشل هو النتيجة دائمًا.الزردشت
اهتم والد زرادشت بابنه، ورأى أن يعلمه أفضل تعليم في البلاد؛ لذا أرسله في سن السابعة إلى الحكيم الشهير "بوزين كوروس"، وظل الابن معه ثمانية أعوام درس فيها عقيدة قومه، ودرس الزراعة وتربية الماشية وعلاج المرضى، ثم عاد إلى موطنه بعد هذه الأعوام الطوال.
ولم يكد يستقر بين أبويْه حتى غزا التورانيون إيران، فتطوع زرادشت للذهاب إلى ميدان القتال لا ليحارب وإنما ليعالج الجرحى والمصابين، ولما وضعت الحرب أوزارها انتشرت المجاعة في البلاد، وانتشر معها المرض، فتطوع زرادشت ثانية ليضع خبرته وجهده في علاج المرضى، وانقضت خمس سنوات أخرى من عمره في هذا الأمر.
ويبدو أن أباه قد ملّ من ابنه الذي تكاد حياته تضيع في خدمة الناس من حوله؛ لذا فعندما عاد إلى موطنه طلب منه أبوه أن يتخلى عن عمله بين الناس، وأن يتزوج ويعيش كغيره من الشباب ليرعى أرضه وماشيته، غير أن الابن لم ينفذ من وصية أبيه إلا الزواج من الفتاة الحسناء "هافويه".
وقد أقنعت الحرب زرادشت أن عليه عملا عظيمًا أفضل من تربية الماشية وزراعة الأرض؛ ألا وهو علاج المرضى وتخفيف آلامهم؛ لذا ظل عشرة أعوام أخرى بين المرضى يعالجهم، ويبتكر وسائل جديدة لمداواتهم، ووجد أن جهوده لم تضع نهاية لآلام الناس وأحزانهم، وتساءل عن مصدر هذه الشرور في العالم، وكانت هذه الأسئلة هي الباب الذي ولجه للتأمل العميق والرحلة طويلة.
الحقيقة.. من أجلها تُترك الزوجات الجميلات!!
استأذن زرادشت زوجته هافويه في أن يعيش بعيدًا عنها ناسكًا لفترة يفكر في الشر والخير، وانطلق إلى جبل "سابلان"، وعزم ألا يعود لبيته حتى يكتسب الحكمة، وظل هناك وحيدًا يفكر لشهور لعله يجد تفسيرًا للخير والشر، غير أنه لم يهتدِ لشيء، وذات يوم تأمل في غروب الشمس وحلول الظلام بعد النور، وحاول أن يكتشف الحكمة من ذلك، ورأى أن اليوم يتكون من ليل ونهار، نور وظلام، والعالم أيضا يتكون من خير وشر؛ لذلك فالخير لا يمكن أن يصبح شرًا، والشر لا يمكن أن يصبح خيرًا، وإن الكهنة والسحرة الذين يعبدون الأوثان والأصنام لا بد أن يكونوا على خطأ؛ لأن معتقداتهم كانت أن الآلهة والأوثان التي يعبدونها هي آلهة الشر، وأنهم يتقربون إليها اتقاء لشرها ودفعًا له، وهم كذلك يتقربون إلى إله الشر ليصنع لهم الخير.
ورأى أن تاريخ العالم يتمثل في الصراع بين الخير الذي يمثله الإله "أهورامزدا"، والشر الذي يمثله الإله "أهرمان"، وأهورامزدا لا يمكن أن يكون مسئولا عن الشر؛ لأن الشر جوهرٌ، مثله مثل الخير، وأن هاتين القوتين وجهان للموجود الأول الواحد؛ لذلك لا بد أن يكون بعد الموت حياة أخرى، بعدما ينتصر الإله الأوحد على الشر، عندئذ يُبعث الموتى، ويحيا الناس مرة أخرى، وتنطلق الأرواح الخيرة إلى الجنة، أما روح الشر وأتباعها من الخبثاء فيحترقون في المعدن الملتهب.. عندها يبدأ العالم السعيد الخير الذي لا شر فيه ويدوم سرمديًا.
وظل زرادشت على جبل سابلان يستوضح أفكاره، التي تخرج في بطء شديد كأنها ولادة متعثرة، وتزعم الأساطير أنه وهو واقف على الجبل رأى نورًا يسطع فوقه، وإذا به "فاهومانا" كبير الملائكة، قد جاء ليقود زرادشت إلى السماء ليحظى بشرف لقاء الرب، ويستمع إلى تكليفه بأمر النبوة، فصدع بالأمر، ثم قال بعدها: سأنزل إلى الناس، وأقود شعبي باسم أهورامزدا من الظلام إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الشر إلى الخير.
زرادشت يدعو.. والقوم لا يستجيبون
قرر زرادشت أن يدعو قومه إلى تعاليمه والإيمان بها، واستمر في دعوتهم عشر سنوات، لقي فيها عنتًا واضطهادًا، ولم يؤمن به أحد، وتخلت عنه عشيرته وأسرته، بل طرد من بلده، فتنقل بين البلاد والأقاليم، إلا أن الناس تجنبوه، وأغلقوا دونه الأبواب؛ لأنه رجل يسب الدين والكهنة، فتطرق اليأس إلى قلبه. وتزعم الأساطير أن أهورامزدا ظهر له، وأن الملائكة لقنته أصول الحكمة، وحقيقة النار المقدسة، وكثيرًا من الأسرار؛ فبدأت سحابة اليأس المظلمة تنقشع عن قلبه بعدما آمن به ابن عمه "ميتوماه" الذي نصحه أن يدعو المتعلمين من قومه إلى تعاليمه؛ لأن تعاليمه الجديدة صعبة على فهم الناس غير المتعلمين.
الجهال لا يستحقون الدعوة
سر الإيمان.. موت الحصان!!
ولم تستمر سعادته طويلا؛ إذ تآمر الكهنة عليه، ودبروا مكيدة له، انتهت بأن أصدر الملك كاشتاسب أمرًا بالقبض عليه وإلقائه في السجن، وأمر الناس أن يعودوا إلى عبادة الآباء والأجداد، ونفض عنه الإيمان بأهورامزدا. وتصادف في ذلك الوقت إصابة جواد الملك بمرض عضال عجز الأطباء عن علاجه، ولم تنفع دعوات الكهنة للآلهة في شفائه، وعلم زرادشت بالأمر، فأرسل إلى الملك أنه يستطيع شفاء الجواد شرط أن يعود الملك إلى تعاليمه التي هجرها، ووافق الملك على ذلك، وشُفي الجواد، وصدر الأمر بالإفراج عن زرادشت، وعاد الملك إلى تعاليمه وآمنت المملكة به، وازداد إيمان الملك عندما رأى كثيرًا من المعجزات تتحقق على يد زرادشت، الذي أصبح كبير كهنة الملك في بلاد بلخ بإيران.
ويقول الزرادشيتون: "إن كاشتاسب أمر بذبح اثنتي عشرة ألف بقرة، دُبغت جلودها، ورُبطت بخيوط الذهب الخالص، وكُتب عليها بحروف من الذهب جميع تعاليم زرادشت، التي عرفت باسم "الآفيستا"، ويقال أن الإسكندر الأكبر أحرقها عندما فتح فارس عام 330 ق.م، وأن بقايا الأفيستا جمعت بعد ذلك، وتمت ترجمتها إلى اللغة الفارسية، كما أن أقدم مخطوط لهذا الكتاب يعود إلى سنة 1258 ميلادية.
وكان لزرادشت ابنة صغيرة جميلة عاقلة تسمى "بوروكيستا" نالت إعجاب الأسرة المالكة، أعجب بها رئيس الوزراء وتزوجها، وبذلك دعم الرجل مركزه الديني بمصاهرة سياسية، ثم تشجع وحضّ الملك على أن ينشر تعاليم أهورامزدا في كل مكان؛ لذلك أرسل الرسل إلى الممالك والأقاليم المجاورة للدعوة إلى الأفيستا، ووصلت هذه التعاليم إلى جميع أنحاء إيران وإلى اليونان والهند.
جعلوني نبيًّا وجعلوا فلسفتي دينًا
هذا هو الملخص تقريبا لمسيرة هذا الرجل؛ فقد بدأ أمره طبيبًا بارعًا، وحكيمًا وفيلسوفًا، حاول الوصول إلى سر الكون بالنظر والتأمل العقلي.. تعرض للاضطهاد في بادئ أمره، ثم لما مرض حصان الملك وعالجه زرادشت كافأه الملك بأن أذاع نبوته، ونشر عقيدته، ولما تزوج رئيس الوزراء ابنته كافأه بأن فرض ديانته على الشعوب المجاورة.. لكن ما لبثت هذه الشعوب أن قتلته!!
صلاة زرادشت لم تُجدِ مع النضال
ولما بلغ زرادشت ستين سنة رأى أن يفرض الملك تعاليمه على شعب نوران المجاور لإيران، ودارت رحى الحرب بين المملكتين حول عقيدة زرادشت، وبعد معارك رهيبة شرسة انتصر الإيرانيون، وفرضوا عقيدتهم على الشعب المجاور، وأصبح زرادشت بطلا قومياً؛ كلمته قانون، وتعاليمه مقدسة، غير أن العقيدة لا تُفرض على القلوب، ولا تُصَب مبادئها في العقول، والدين اقتناع لا إكراه؛ لذلك كره شعب نوران زرادشت وتعاليمه، ولم يكفوا عن المقاومة طيلة سبعة عشر عامًا، حتى استطاعوا أن يشعلوا نار حرب أخرى كبيرة، والتقى الجمعان في ساحة القتال، أما زرادشت فذهب إلى المعبد مع ثمانين من كبار الكهنة يصلون من أجل أن تنقذ أسوار مدينتهم التي تتهاوى أمام شعب نوران، الذي رفض أن تفرض العقيدة عليه.
وتعالت دعوات زرادشت وهو راكع أمام الناس أن ينقذ شعبه وتعاليمه، غير أن الهزيمة كانت أقوى من الدعوات؛ فدخل النورانيون المعبد، وطعنوا زرادشت في ظهره بحربة، وقتلوا جميع الكهنة، وسالت الدماء في المعبد حتى أطفأت النار.
وانتهت حياة زرادشت وهو في السابعة والسبعين من عمره، وانتقم الملك لمقتله بعد ذلك، وانتصر على النورانيين، ولم يقبل منهم صلحًا حتى وعدوه باعتناق الزرادشتية.
الزرادشتية والإسلام
هناك عشر وصايا لزردشت يدعو فيها الناس إلى الرأفة بالحيوانات والتعامل معها على أساس أنها كائنات لها أرواح وخلقها الله لمنفعة الإنسان، أيضاً من ضمن تلك الوصايا (احترام الناس وعدم الاعتداء على الآخرين والرأفة بالضعيف، والتقمص, واحترام العلاقات بين القبائل والاقوام الجارة).
وقد يعتقد الباحثون ان زرادشت ما هو الا امتداد لفلسفات دينية قديمة سبقته كانت رائجة في الهند والصين و قد ظهرت ديانات كثيرة من بعده ابرزها الديانات السماوية ابتداءا من اليهودية وصولا للإسلام كما توصل الباحثون بعد عدة ابحاث إلى ان منبع هذه الديانات هو الديانة الزردشتية وقد اعتمدو اساسا على مبدأ الأقدمية باعتبار هذه الأخيرة أقدم من فلسفة الديانات السماوية وتطابق تعاليم زردشت في كثير من الاشياء مع تعاليم الديانات التي جاءت من بعده لتفسير الوجود.
ولكن بنظرة سريعة لمبدأ الأقدمية، نجد ان العقيدة اليهودية هي أقدم بكثير من عمر زارادشت.
من اقواله
بأذنيك استمع إلى هذه الحقيقة وبعقلك افهمها وبقلبك يجب أن تحبها انهض ايها النائم ايها الغافل ايها الكسول وانشر كلمات الاله في كل مكان نمت فيه أو صحوت فيه أو اكلت أو شربت انهض وقل كلمة الاله ولاتكن اخرس في الحق ولاتكن متهاونا في الخير.. هذه نصيحتي
منقول
عدل سابقا من قبل محمد إسماعيل رمضان في الجمعة مايو 21, 2010 4:28 am عدل 1 مرات