هؤلاء هم الرجال حقًا
الرجولة في الإسلام:
إن صفة الرجولة تعني القوة كما قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:
(الرجال جمع رجل، فهو اسم لذكور بني آدم بعد البلوغ، وقيل إنه اسم مأخوذ من القوة)
[الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص(326)].
فالرجولة لها مفهوم خاص بعيد كل البعد عن تلك المعاني التي يقولها الشباب،
وقد أوضحها الله تبارك وتعالى في أكثر من موضع:
فتارة تأتي بمعنى الوفاء بعهد الله تبارك وتعالى
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
[الأحزاب: 23]، وهذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه.
وتارة تأتي بمعنى الذين لا يلهيهم شيء عن ذكر الله
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36)
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
[النور: 36-38].
وتارة تأتي بمعنى الهمة العالية في الدعوة إلى الله،
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}
[يس: 20-21].
ونجد أنها تأتي بمعنى الوقوف في وجه الظلم يفهم هذا من موقف مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه،
لكنه لم يستطع
السكوت عندما علم بعزم فرعون على قتل نبي الله موسى عليه السلام، وقرر الوقوف في وجه الظلم، ومناصرة الحق،
ولم يخش على حياته التي توقع أن يدفعها ثمنًا لموقفه،
ولم يخش على منصبه الكبير عند فرعون، فنهاه عن قتل موسى عليه السلام وحاول إقناعه بأن ذلك ليس من الحكمة والمصلحة،
ولم يكتف بذلك، بل توجه إلى موسى وأخبره بما يخطط له فرعون وزبانيته، ونصحه بالخروج من مصر.
وقد استحق هذا المؤمن وصف الله له بالرجولة فقال سبحانه:
{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ
وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}
[غافر: 28],
وأكد على وصفه بالرجولة في موضع آخر فقال تعالى:
{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}
[القصص: 20].
م-حيدر